نشأة العلوم الشرعية وتطورها في حياة المسلمين
بقلم / أ. محمد المحبوبي - قسم العلوم الشرعية
بدأ المسلمون في تعلم علوم الشرع مشافهة وممارسة في عصر النبوة على يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، وكان التعلم منه - صلى الله عليه وسلم - في مسجده وفي أسفاره وغزواته وفي حله وترحاله ، وكان في هذه المرحلة مقتصرًا على تعلم القرآن وحفظه وما يشاهدونه من أفعاله - صلى الله عليه وسلم - وأقواله وما يقرهم عليه مما علم به من أفعالهم وأقوالهم .
وبعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءت حروب الردة واستُشهد في معركة اليمامة المئات من القراء فخاف المسلمون على اختفاء القرآن من الصدور فبدأوا بجمعه وكتابته في خلافة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه- ، ثم لما انتشر الإسلام في عهد عمر - رضي الله عنه- وفتحت الأمصار ودخل في الإسلام غير العرب ، وزع عمر أهل العلم من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- على الأمصار ليعلموا القرآن للناس، ثم لما خافوا من تعدد الألسن أن يؤثر على قراءة القرآن اجتمع الصحابة في عهد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - على كتابة المصحف وترتيبه وتوحيد المصاحف وبعثوا نسخة إلى كل مصر، وقد اقتصر التعلم في هذه المرحلة على قراءة القرآن وحفظه.
ثم لما مات كبار الصحابة - رضي الله عنهم - والذين عايشوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في مختلف مراحل الدعوة اضطر الناس إلى الرواية عمن بقي من الصحابة فكثرت الرواية عنهم مثل أبي هريرة وعائشة وابن عباس وابن عمر وجابر وغيرهم .
ثم انتهى عهد الصحابة وخاف المسلمون من دروس العلم واختفائه، فأمر عمر بن عبد العزيز بتدوين الأحاديث والآثار فانتشر التدوين من نهاية المائة الأولى وبداية الثانية، وكان في هذه المرحلة مقتصرًا على تعلم القرآن والحديث وآثار الصحابة، وكان لسان العرب حينها غضًّا طريًّا فلم يحتاجوا إلى تعلمه.
ومع بداية المائة الثانية بدأت العلوم الشرعية بالتمايز، وبدأت تدخل مواد دراسية جديدة فقد فسدت الألسن وغلبت عليها العجمة واحتاج الناس إلى دراسة لسان العرب ؛ لأنه وعاء علوم الشرع، فبدأوا في تدوين أشعار العرب وأقوالهم وتقعيد قواعد العربية، فصار من اللازم لطالب العلم التمهر في اللغة العربية وقواعدها ليستوعب ما يقرؤوه من القرآن والحديث .
ثم تعددت الآراء الفقهية من عصر الصحابة وفقهاء التابعين وبدأت بالتمايز فنشأت المدارس الفقهية الأربعة وتميز الفقه عن الحديث وأصبح الفقه مادة مستقلة لها قواعدها وأصولها.
ثم احتاج الناس بسبب البعد عن لسان العرب إلى تفسير القرآن فبدأوا في جمع الآثار المروية في التفسير وأضافوا إليها من التفسير ما تسمح به قواعد اللغة العربية وقوانين العقل من التفسير بالرأي فأصبح التفسير علمًا مستقلًا عن الحديث فظهرت التفاسير وانتشرت.
ومع بروز الاختلافات السياسية والفكرية بين المسلمين وغلبة المسلمين على أديان ومذاهب فكرية مغايرة نشأت نقاشات فكرية وعقدية داخل المجتمع المسلم أدت إلى ظهور مدارس فكرية وعقدية متعددة فاضطر علماء المسلمين إلى التصدي للأفكار والعقائد المنحرفة فنشأ علم الكلام وأصبحت العقيدة علمًا مستقلًاعن غيره من علوم الشرع .
وكان المسجد على مر العصور هو الوعاء الجامع لهذه العلوم، ومنه تفرعت كل العلوم التي نشأت بعد ذلك مثل المنطق والرياضيات وعلوم الفلك والفيزياء والكيمياء وعلوم الطب ، مثل: التشريح والجراحة والصيدلة، ومن هنا نلاحظ أهمية العلوم الشرعية ودورها في تطور باقي العلوم الطبيعية داخل المجتمع المسلم، لذلك فمن المهم لطالب العلم المسلم مهما كان تخصصه في المستقبل أن يكون على حظ وافر من العلوم الشرعية ؛ لأنها تساعده على حسن التوجه والاختيار وتمكنه من ضبط سلوكه وتحثه على الجد في طلب العلم ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان .
عرض الكل